المغرب: مدخل إلى نقد النخبة السياسية الأمازيغية المغربية
بقلم عبد الكريم اوبجا - AmazighWorld.org بتاريخ : 2022-04-12 18:51:00
لقد كان أول عمل سياسي قام به أمازيغ المغرب، في القرن العشرين، هو حمل السلاح ضد المستعمر الفرنسي و الاسباني وضد السلطة المركزية، و ذلك ضمن شروط المجتمع القبلي و الزراعي. و بعد ذلك واصلوا المقاومة بأدوات مدنية مرتبطة بالمجتمع الصناعي، عبر الانخراط في الحركة الوطنية والأحزاب السياسية و النقابات المهنية، خاصة في مدينة الدار البيضاء التي شكل الأمازيغ القادمون من الأطلس الصغير و الكبير والصحراء أغلب السكان المهاجرين إليها.
و بذلك تسلمت المدن مشعل المقاومة المدنية التي حلت محل المقاومة القبلية التقليدية، و تمثلت أشكال المقاومة الحديثة في الانخراط في الأحزاب و النقابات و الجمعيات المهنية و خلايا المقاومة الحضرية وإصدار الجرائد و المناشير و خوض الإضرابات. فمباشرة بعد وضع أمازيغ سوس للسلاح في 1934 شارك العديد منهم في أول إضراب كبير للعمال المغاربة في المجال الصناعي ضد شركة كوسوما في 1936.
و عمل الوطنيون السوسيون الأمازيغ أمثال الأخوين المانوزي و احمد اولحاج و الطاهر صدقي على تنظيم حزب الاستقلال و المقاومة في الدار البيضاء و منطقة سوس الكبير. و ساهموا في توحيد الكفاح الوطني ضد الاستعمار عن طريق إنجاح الاضرابات المنددة باغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد في دجنبر 1952 و في تنظيم الخلايا و إيواء الفدائيين و إخفاء الأسلحة و بعد ذلك عبر مقاطعة شركات التبغ التي تخضع للاحتكار الفرنسي في 1954.
لقد شكل الأمازيغ القاعدة الاجتماعية الواسعة لحزب الاستقلال خاصة في الدار البيضاء و المناطق الجنوبية وسوس الكبرى. و لأن الأمازيغ يعطون الأولوية للتضامن القبلي على حساب القيم الفردية فقد نقلوا تقاليدهم من المجال الاجتماعي و الاقتصادي إلى المجال السياسي. و تشكل بذلك حلف "أهل سوس" كتعبير عن وعي سياسي تقليدي أمازيغي يدافع عن المصالح المباشرة للبورجوازية الأمازيغية السوسية، مما جعلهم عرضة لمضايقات البورجوازية الفاسية.
و بعد الاستقلال الشكلي استحوذت النخبة الفاسية على المناصب البارزة في الحكومة و الإدارة المغربية واستغلت نفوذها و مناصبها للاغتناء و الحصول على الامتيازات. و نظرا للمزاحمة و التهميش الذي جوبهت به النخبة الأمازيغية السوسية داخل حزب الاستقلال، اختار الأمازيغ الاصطفاف إلى جانب الجناح اليساري بقيادة المهدي بن بركة و الانضمام الجماعي بعد ذلك إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 1959.
إلا أن السياسة بالنسبة للنخبة الأمازيغية السوسية هي في الغالب الوجه الآخر للتجارة حيث أن انضمامهم للاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يكن بالأساس انتصارا للتوجهات الايديولوجية للحزب الجديد و للخطاب الاشتراكي في العالم الثالث، و إنما كان وسيلة للتخلص من هيمنة البورجوازية الفاسية. و حقق الأمازيغ السوسيون أول انتصار لهم في السياسة الحضرية على النخبة الفاسية بفوزهم بجميع مقاعد غرفة التجارة والصناعة بالدار البيضاء و في عدد من المدن المغربية في ماي 1960. و عندما قاطع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية انتخابات غرفة التجارة و الصناعة جراء الاعتقالات التي طالت أعضاءه بعد التصويت بلا على دستور 1962، واصل التجار السوسيون الأمازيغ تحكمهم في الغرفة لكن بعد تحول أغلبهم إلى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية.
وبعد الانتخابات التشريعية في ماي 1963 شكل البرلمانيون السوسيون الأمازيغ تكتلا داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تحت اسم "الوفد الشعبي" لتمييزهم عن النواب البرلمانيين المثقفين لذات الحزب. و كانت للوفد الشعبي ملاحظات و انتقادات للخط الثوري للحزب من قبيل رفض استغلال هذا الأخير للنخبة الأمازيغية السوسية في الصراع القائم ضد القصر و التدخل في شؤون غرفة التجارة و الصناعة و عدم خدمة الحزب و سياسته المعارضة لمصالح التجار السوسيين الأمازيغ.
إن هذا الانخراط السياسي الجماعي للنخبة الأمازيغية السوسية هو تعبير سياسي هوياتي تقليدي عن مصالح بورجوازية تجارية، لكنه اصطدم بمنظور "الطبقات الشعبية" لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، مما سرع من وثيرة تفرق النخبة الأمازيغية إلى تيارات و توجهات ثقافية و ايديولوجية و سياسية مختلفة. كان أبرزها المجموعة التي يقودها محمد بن سعيد آيت إيدر كتعبير عن تيار يساري راديكالي قام بتأسيس منظمة 23 مارس و منظمة العمل الديمقراطي الشعبي فيما بعد. و بقي الفقيه البصري وفيا للاختيار الثوري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل تحول هذا الأخير في انعطافة إصلاحية (الاختيار الديمقراطي) إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
فيما حاولت كل من مجموعة "التجار الكبار" بزعامة احمد اخنوش و مجموعة "المقاومين" بقيادة عبد الله الصنهاجي التوحد في حزب سياسي جديد يركز على إحياء الوعي الثقافي و السياسي التقليدي لأمازيغ سوس، إلا أن تباين المصالح الاقتصادية و الاجتماعية للمجموعتين حال دون تحقيق وحدتهم المنشودة. فقامت المجموعة الأولى (مجموعة الدار البيضاء) بتأسيس الحزب الحر التقدمي كتعبير عن توجه اقتصادي و اجتماعي و سياسي ليبرالي وجد ملاذه لاحقا في حزب إداري جديد هو التجمع الوطني للأحرار. أما المجموعة الثانية (مجموعة الرباط) فشكلت "حزب العمل" كتعبير عن الامتداد السياسي الإصلاحي للمقاومة و واصل تواجده التنظيمي بدون أي تأثير سياسي.
و بمجرد إعلان حالة الطوارئ في يونيو 1965 ابتعد عدد من النخبة السياسية الأمازيغية السوسية عن السياسة مجسدين لمبدأ الواقعية و لمضمون الاستسلام للحكم المطلق و منحه المشروعية السياسية. و في 1966 تم تأسيس الاتحاد المغربي لتجار الجملة و استقطب أغلب التجار السوسيين الأمازيغ إليه و صوت بنعم على دستور 1970.
إنه من الصعب التعرف على الانتماء السياسي للنخبة السياسية الأمازيغية التقليدية، و القيام بالتمييز الكلاسيكي بين جناحيها اليساري و اليميني، حيث أنها ليبرالية و محافظة في الوقت نفسه و يعرف سلوكها السياسي تقلبات فجائية. و يمكن تفسير هذا السلوك على أنه نتاج منظومة فكرية مركبة (محافظة و ليبرالية و اشتراكية) بالنظر لوضعها الاجتماعي المركب (الشبه-اقطاعي و البورجوازي و العمالي). وسوف تسعى النخبة السياسية الأمازيغية الجديدة، فيما بعد، للتأسيس لمشاريع سياسية تدعو إلى دمج المصالح الطبقية المشتركة لجميع طبقات المجتمع المغربي.
========================
المراجع:
- جون واتربوري، أمير المؤمنين: الملكية و النخبة السياسية المغربية، طبعة 2013.
- جون واتربوري، الهجرة إلى الشمال: سيرة تاجر أمازيغي، 2020.
تعليقات القراء
هده التعليقات لاتمتل رأي أمازيغوولد بل رأي أصحابها