بقلم محمد شنيب - AmazighWorld.org بتاريخ : 2018-02-01 08:11:00
الثورة لابد من أن يكون لها نظرية وفكر ثوري واضح ينتمي إلى إتجاه فكري وسياسي معين.
الثورة لابد أن يكون لها قيادة ثورية منسجمة فكريا ولها رؤيا متقاربة لتحقيق أهذاف سياسية ذات رؤية وأبعاد فكرية معينة.
وفي حالات كثيرة من ثورات العالم كان وجود للتنظيم السياسي دور أساسي وفعال في نجاح هذه الثورات.
هذه الأبجديات الضرورية لقيام الثورة كانت غير موجودة في حراك فبراير أو في إنتفاضة 17 فبراير 2011 في ليبيا.
فليبيا أو بالأحرى المجتمع الليبي أيام القذافي لم يكن به أي فرصة لأي تطور فكري أوثقافي أو سياسي إلا فوضى وتهريج القذافي "القائد والمفكر والثائر والمعلم الأوحد" وهذه الهمجية القدافية والتي عاشها المجتمع الليبي على مدى أكثر من أربعين عام هي التي أدت إلى غياب هذه الشروط الأساسية لنمو الجنين والذي كان ممكن له أن يصبح ثورة....
لمدة إثنان وأربعين سنة قام فيها الديكتاتور القذافي بمحو كل معالم النهوض الثقافي على كل المستويات فلم يسمح لنهوض أي نوع من الثقافة.لا للأدب ولا لظهور المسرح وقلص حتى صالات السينما ولم يسمح لإيستيراد الأفلام بجميع أنواعها بل حارب حتى فن الغناء الذي لايغني للقذافي.لم تكن هناك لا ندوات ثقافية ولا محاضرات إلا تلك التي تمجدًالزعيم والذي سماه الديكتاتور عبدالناصر أمين القومية العربية وقام القذافي بإستخدام هذه التسمية بنشر وتعميق الفكر القومي العروبي الفاشي الأحادي إلى أبعد الحدود . وبداء بالإدعاء بمسؤوليته لنصرة "الثورة الفلسطينية" والمناداة ب "الوحدة العربية" ودخل في عدة مغامرات وحدوية مع عدة بلدان مشرقية وممغاربية وأهدر الأموال الطائلة لبناء مجده الوحدوي الشخصي بل دفعه السعي وراء المجد الشخصي الدخول في حروب ومغامرات عسكرية مع بعض الدول المجاورة كمحاولة خلق حرب مع مصر في عام 1977 وإرساله ببعض ماكان يسميه المقاومة الشعبية إلى يوغندا لمساندة الديكتاتور عيدي أمين ومحاولته الفاشلة في قفصة بتونس.ولا يمكن أن ننسى مغامراته في إيرلندا وجيش التحرير الإرلندي وتبنيه لبعض الحركات الإرهابية في أمريكا اللاتينية .
غير أنه بعد فترة رأى ألأنسب له أن يتجه نحو "الوحدة" الأفريقية وأصبح يهدر أموال الليبين ليصبح بعد ذلك ملك ملوك أفريقيا.
ومن هنا خلق الإنسان الليبي في هذا الفراغ الثقافي والسياسي بعيدا عن الإنتماء لليبيا الوطن ولم يعرف طريقا لمعرفة الغيرة الوطنية الذي لايعرف الغيرة الوطنية ...وقام القذافي وزبانيته بالزج بكل من له أبجديات العمل السياسي الثقافي في السجون ولفترات طويلة حتى أن بعض السجناء لم يفرج عنهم إلا بعد إنتهاء القذافي نفسه.وهذا هو ما خلق الخوف والرعب بل وحب الإنتقام عند غالبية الليبين
إذا ما أعتبرنا كل هذا، فإن ما حدث في فبراير 2011 لم يكن ثورة بل كان إنفجار لتراكم الضغط الذي ولدته همجية وفوضوية وإرهاب وظلم حكم القذافي المتخلف....وهذا لايعني بأي حال من الأحوال تقليل أو إنتقاص من هذا الحدث التاريخي الهام والعظيم في حياتنا كليبيين ...
لاشك أن أهمية مثل هذا الحدث التاريخي والهام في حياة الشعوب والذي لا يرقى إلى حدث الثورة وما يتبعها من تغيرات يكون لها قوة التغير الكاملة في مسيرة الشعوب أي شعوب.هذا التغيير الذي سيؤتر في كل مجالات الحياة اليومية من السلوك اليومي إلى الإنتماء الوطني وحق المواطنة والإعتراف بحقوق الإنسان الكاملة دونما أي إنتقاص من حق في الحياة والتعليم والعمل والتربية والثقافة وحرية التعبير والرأي والمعتقد...الخ
ما قام في فبراير 2011 كان ردة فعل مناوئة وضد ديكتاتورية متخلفة وإرهابية متجسدة في فوضى وجماهيرية "القائد الملهم والأوحد" وما تسببت فيه من تجهيل وتصحر ثقافي وسياسي و ما حدث من فشل في السياسة الإقتصادية والتي أدت إلى تحديد فرص العمل للشباب بنسائه ورجاله وما نشرته وشجعته من فساد إداري ومالي وخلق روح الخوف والتردد عند كل الليبين.
إنتفاضة فبراير لم تكن سوى هزة ضد ثورة التجهيل والتي سماها القذافي "الثورة الثقافية" والتي قام فيها يحرق الكتب وتجميد القوانين في عام 1973.ولم تكن سوى زلزال ضد ما سماه بأول جماهيرية في التاريخ والتي لم تكن سوى تعميق للفوضى وتثبيت مجتمع الغاب اللاإنساني.
الليبيون عاشوا في سجن القذافي الكبير وسط هذه الصحراء التي إنعدم فيها أي إحساس بالإنسانية والإنتماء للوطن.لم يعرفوا الثقافة والسياسة إلا ما ورثوه من أجدادهم من خرافات وأساطير ممزوجة. بمظاهر كاذبة للعصرنة الحديثة من ملابس حديثة وسيارات فخمة وكانوا يَرَوْن في بعض دول الجوار رمزا للتقدم بالرغم من أن هذه الدول نفسها كانت تعيش التخلف وبشكل متفاوت.
وبالطبيعة قام الليبين من الشرق والغرب في فبراير وبالتحديد في مدينتي البيضا وجبل نفوسة شارك فيه الشباب و الشيوخ من نساء ورجال وكان للمرأة الليبية دور كبير وفعال جدآ تجاوز دور المساعدة فقط بل كان مشاركة حقيقية سجلت للمرأة الليبية صفحات نضالية ولا يمكن أن ننسى الدور الذي قامت به نوميديا الأمازيغية والمسماة بنوميديا الطرابلسية للذكر ولا للحصر.غير أن في هذا كان كل الليبين منطلقين فقط من دافع وهذف واحد الا وهوالتخلص من ذلك الديكتاتور البشع والإناني الذي حكمهم طيلة ما يزيد عن أربعة قرون...
عاش كل الليبين أيام الطاغية في عزلة من التخلف والقحط الفكري والثقافي وفي عزلة ثقافية وسياسية من أي نوع ولم يكن إلا القليل منهم من كان له تطلع وإنفتاح ثقافي أوإنتماء سياسي ولكن كلهم كانوا مدفوعين بنداء وطني نادتهم به ليبيا وهبوا لتحريرها من ذلك الطاغية رمز التخلف....
وكانت قيادة الإنتفاضة والمتمثلة فيما كان يسمى المجلس الوطني الإنتقالي، خليط عجيب من كل الإتجاهات تمثل الإنتفاضة بواقعها الحقيقي فكان منهم من كانوا يعملون مع الطاغية وفي مناصب عالية وكان إنتمائهم (ليس كلهم بل بعضهم) للإنتفاضة بإخلاص ودافع وطني وكان منهم من كان إنتهازيا وأحس بأن نهاية الطاغية آتية لا محالة وعلية أن يغير إرتباطه بالنظام المنهار ورفع راية الإنتفاضة ومنهم من كانو يتعاطفون مع مجموعات من كانوا يسمون بالمعارضة والتي كانت تعيش في الخارج ومنهم من كان يرى فيه إمكانية لكسب لمال والجاه .... غير أنه كان واضحآ بدء إرتباط بعض هذه المجموعات وتحالفها مع تيارات الإسلام السياسي وبعض الدول الإسلامية المؤيدة لهذه التيارات ليس دفاعا عن الإسلام بل لخلق نفوذ وتوسع لها في ليبيا من أمثال تركيا وقطر ودوّل خليجية أخرى وبعض الدول الكبرى والتي كانت للأسف تؤيد نجاح الإسلام السياسي ليس في ليبيا فقط بل في منطقة الشمال الأفريقي والشرق الأوسط.
وبعد نجاح الإنتفاضة في خلع القذافي وزمرته بداء الصراع بين التيارات المتواجدة في الساحة فكان الإسلام السياسي متمثلا في الإخوان المسلمين واللذين لم تكن لهم قاعدة شعبية داخل ليبيا (كما إتضح في كل الإنتخابات اللتي جرت في كل الأنتخابات لإنتخاب المؤتمر الوطني وهيئة الدستور وأخيرا البرلمان) وكان هناك التكنوقراطيين اللذين عملوا مع القذافي (بعض من رجالات التحالف الوطني والتي إرتبطت بنظام القذافي )وكان للتكنوقراطيين والديمقراطيين شعبية أظهرتها الإنتخابات الثلات المذكورة حيث حصلوا على أصوات الجماهير الشعبية بغالبية كبرى ولكن تيار الإسلام السياسي المتحالف أو بالأحرى المدفوع من قوى خارجية وبأسلوب المخادعة والمراوغة الذي تبناه وبمساعدة أموال القوى الخارجية مكنته من كسب أسواط المستقلين اللا حزبيين الإنتهازين والذين حاولوا الخروج إلى السطح والإستفادة الشخصية وبهذا تمكن ما يسمى الإسلام السياسي المخادع من كسب أغلبية داخل المؤتمر الوطني ليبداء طريقه السياسي المخادع للسيطرة عَل المؤتمر الوطني وبدون أي مراعاة للإنتفاضة وما كانت تصبو إليه..
بدئوا بتشكيل ميليشيات من خريجي السجون لحمايتهم وتقوية مكانتهم لفرض سيطرتهم وتخويف الشعب وفرض بقاء المؤتمر الوطني بعد إنتهاء مدته القانونية ورفض التسليم للبرلمان الجديد المنتخب.
وشكل حفتر ما يسمى الجيش "العربي" الليبي مؤكدا هكذا الإتجاه القومي العروبي والذي سعى قبله إليه الديكتاتور القذافي معمقا للإتجاه الأحادي وضاربآ بعرض الحائط إمكانية خلق الوطن الحديث المبني على الحداثة والعلمانية الحقيقية والديمقراطية.
ورجع تعميق البداوة والقبلية والجهوية على كل المستويات. فالإسلام السياسي والذي كما ذكرت لم يكن له قاعدة شعبية بداء في ترسيخ مبادئه المتخلفة ووجدت المجموعات الإسلامية من القاعدة وأنصار الشريعة والدواعش أرضية خصبة لبت سمومهم وكذلك فعل العروبيون ومدعي العلمانية الكاذبة مكان لها.
ولا شك المرتزقة وتجار المخدرات والتهريب ومهربي البشر والبنزين وجدوا لهم هم أيضا الوضع المثالي والذي يزاولون فيه أعمالهم الإجرامية بكل تحدي ورفض لبناء ليبيا.
والآن رجع زبانية القذافي ببت سمومهم ومحاولة الرجوع للسيطرة على ليبيا مستخدمين ما يسمى المصالحة السياسية متناسين أنهم هم السبب الأول والأساسي في خلق هذه الفوضى التي تعيشها البلاد وأن رجوعهم لن يكون إلا طامة على ليبيا وشعبها الذي عانى منهم لمدة تزيد عن الأربعين عام مستغلين بذلك السذاجة السياسية لبعض الليبين والذين يتحسرون عَل رجوع يوم من أيام القذافي...!!!
كذلك إن بقاء الميلشيات وبالذات في غرب ليبيا وما يسمى الجيش "العربي" الليبي في شرق البلاد وزبانيته اللذين يقومون بالإعدامات متحدين بذلك العالم أجمع لن يجر على ليبيا إلا المزيد من المصائب ولا مفر إلا بحل كل هذه التشكيلات
علينا كليبيين أن نعتمد دستورا مؤقتا لنقوم بتعديله لاحقا ليتماشى مع ما نصبوا إلا تحقيقه وأن نقوم بإنتخاب برلمان ورئيس للدولة لإنشاء دولة القانون
على ليبيا والليبيين إذا أردنا الخروج من هذا المأزق الذي الي نحن فيه تبني الفكر الحداثي اللا قومي أيا كان وعلينا أن نؤمن بالوطن الواحد ونعترف بكل الليبين وبحقوقنا السياسية المختلفة ومكوناتناالثقافية المتباينة وأن نتبنى الديمقراطية والإعتراف بكل الأراء.وعلينا أن ننسى الإنتماء القبلي والجهوي والقومي أيا كان وأن نؤمن بالمواطنة وحق الوطن فوق أي إعتبار....
ميلانو إيطاليا 30.01.2018
تعليقات القراء
هده التعليقات لاتمتل رأي أمازيغوولد بل رأي أصحابها