
بادي ذي بدء نناقش في هذه الدراسة الفكر العروبي "الشريفي" المستغل للدين ولا أقصد العرب كبشر، فأنا أحترم الكثير منهم وأقدرهم، بل ما أعنيه هو استخدام العربية المربوطة بالنسب الشريف كجسر للوصول للسلطة.. لفظ الشريف لم يذكره سيدنا المصطفى. من السهل على الأمازيغي قبول بأنه ليس عربياً ولكن هناك ركاكة وفجاعة واضحة في لفظ أنت لست شريفاً!!!!! نناقش العروبة الموظفة لكون القرآن بالعربية تشريف للعرب ورفع لمكانتهم بين شعوب الأرض "شعب الله المختار".. بالرغم من أن نزول القرآن بالعربية هو تحدي للعرب وتعجيز لهم فيتحداهم رب العزة ويقول:” قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات" وفي مكان أخر من القرآن الكريم "فأتوا بسورة مثله".
وما نراه اليوم من محاولة فاشلة لإستنهاض جيش القبائل الشريفة والدعوة لتمكين النظام السابق والتي هي إمتداد لدعوة العقيد معمر القذافي لآحياء الدول الفاطمية بعد أن أدعى واشترى لنفسة النسب الشريف الذي بات تجارة كما هي المتجارة بالدين!!! كذلك ننظر للتدين في الثقافة الأمازيغية الإنسانية التي لم تدعي أنها تميزت عن باقي الأمم برسالة ربانية نزلت على أرض تامزغا أو أدعى أي أمازيغ النبوة.. فمع أن الصالح والطالح يوجد بالأمازيغ والعرب إلا أننا هنا بصدد مناقشة وقائع ثقافية لا الحديث عن الجنس العربي والأمازيغي.."اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه"
استغلال الدين للتعريب:
في إشارة منه إلى الربط الجائر بين اللغة العربية والدين الإسلامي يذكر الأستاذ أحمد عصيد في كتابه (رسائل إلى النخبة المغربية) [3] بأنه "لا مستقبل لهذه اللغة (العربية) إلا بأن تأخذ بأسباب الحياة والتطور التي يفرضها منطق العصر، وسوف لن تكون نعوت مثل "لغة الدين والكتاب المبين" سوى عبارات سياسية يكون القصد منها هيمنة اللغة وإبادة لغات مهمشة" [3]. ويتمادى بعض المفكرين بتوجيه اللوم لنا كأمازيغ عندما نطالب بترسيم لغتنا ونسمع ومن علماء ومثقفين أحياناً بأن أحد مصادر الدين الإسلامي (القرآن الكريم) مهدداً إذا تم التقاعس عن تعليم العربية واستبدلت بتعلم اللغة الأمازيغية ورب العزة يقول ضاحظاً إدعائهم : "إنا نزلنا الذكرى وإنا له لحافظون" عجز العرب وتقصيرهم تجاه لغتهم يريدون أن يحملوه علينا كأمازيغ. ولقد عاصرنا المعارضة الشرسة لتضمين الحقوق الأمازيغية في المؤتمر الوطني العام والتي تصدرتها الزنتان وقبائلها الشريفة قبل إعلانها الإنقلاب على 17 فبراير ومحاولة إغتصاب السلطة بالقوة.
لقد أستغلت دول الخليج، الداعمة اليوم لجيش القبائل الشريفة وجيش حفتر، الأمم المتحدة التي عانت من أزمات مالية لتدفع الديون المتراكمة عليها، أو بالأحرى لدفع رواتب طواقمها الإدارية المترهلة، وقد وظفت الدول الخليجية العروبية "الشريفة" الضائقة المالية لتمرير اجندتها فأنشأت الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية " أريبيا" التابعة لليونسكو وباتت تحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل سنة [6]. وبأموالها اشترت الدول الخليجية العربية العروبية "الشريفة" بعض الدوائر بالأمم المتحدة وباتت تقيم المؤتمرات والمنتديات التي وظفتها بالدرجة الأولى لتعريب أرض تامزغا وارض أكراد العراق والشام وكذلك القرن الأفريقي. يتم كل ذلك تحت عباءة الدين وبأسم الإسلام وإدعاء النسب الشريف. فما هو تعريف الدين المستغل في تعريب وتغريب الأمازيغ، والأكراد، والأفارقة؟
الدين وتوظيفه للجباية والخراج:
قبل أن نسترسل بشأن استغلال الدين الإسلامي عربياً سنحاول أقتباس تعريف للدين .. فالدين كما عرفه بعض العلماء المسلمين والتي تعتبر أشهرها وأجمعها هو أن الدين "وضع إلهي يسوق ذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات"، [2] ويضيف د. عبد الرزاق وُورقية بأنه كما قال أحد علماء الحضارة المحدثين: "إن الدين يستجيب لحاجة عميقة في الإنسان، ولو شئنا أن نعبر عن هذا بمصطلحات الفلسفة الوجودية لقلنا: إنها الحاجة لقوة الوجود التي تهزم اللاوجود الذي نلقاه ونعانيه في تجارب الموت، والعذاب والإخفاق والظلم والإثم وفقدان المعنى. ولو شئنا أن نعبر بلغة بسيطة مألوفة لقلنا: إن الدين يستطيع أن يمدنا بالمعنى الأخير للحياة، بمصدر وجودنا وغايته، أي بالإجابة عن السؤالين الخالدين، من أين، وإلى أين؟ "[2]. وبالرغم من أن القاضى عبدالجواد ياسين يعرف الدين في كتابه : "الدين والتدين – التشريع والنص والاجتماع" بأنه "الأخلاق الكلية العامة التى تخاطب البشر جميعا وهى جوهر الدين وكل الأديان ويعبر عنها فى الإسلام الآيات الواردة فى القرآن المكى" [8]، وهذا يتوافق مع أتفق عليه مع فقهاء وعلماء الإسلام في أن روح الشرعية الإسلامية جلب المصالح ودفع الضرر بل قال شيخ الإسلام أبن تيمية أينما وجدت المصلحة فتم شرع الله.. إلا أن هذا السمو والعلو في مفهوم الدين أنزل به لأسفل الدركات واحط المنعرجات بحيث وظف لسلب الهويات وجني الأموال والجبابية بحجج واهية لا علاقة لها بالدين ورسخت ثقافة عروبية، بعد ضياع سلطانهم عند العثمانيين لخمسة قرون، جعلت من العرب "شعب الله المختار" فاستباحوا استعباد الناس واسترقاقهم وجباية أموالهم بأسم الدين. وربما ستكون الصورة أوضح لو استحضرنا رأي المستشرق الألماني يوسف شاخت حيث يرى بأن طبيعة التشريع الإسلامي "يستمد روحه من القرآن والسنة، وأما مادته فإنها ترجع إلى أعراف العرب قبل الإسلام".[9] وهذه المادة ترجمة بعد وفاة رسولنا الكريم في استغلال الدين في الحكم والسلطة ومازالت مستمرة عندما تتاح لها الفرصة. وبحكم أن لفظ الدين جاء في القرآن الكريم بعدة معاني كيوم الحساب وجاء أيضاً بمعني الحكم والسلطان "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" ، وربما هذا ما توافق مع أهواء سلاطين العرب وملوكهم ليماسوا جبروتهم ودكتاتوريتهم.
في أول وثيقة دستورية (صحيفة المدينة) أكد فيها سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام على دعامتين لتعيش يترب دولة المدينة المدنية بسلام ووئام :
• جميع سكان المدينة بمختلف أعراقهم وأديانهم ..أمة واحدة..
• كل من يرتكب وزراً يتحمله وحدة فلا دخل لقبيلته أو دينه بشأن وزره.
إلا أنه وبعد وفاة سيدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام مباشرةً تصارعت العرب على من يتولى ويترأس توجيه هذا الدين وتوظيفه للسيطرة على المسلمين وغير المسلمين .. فكان الصراع بين المهاجرين والأنصار تم تحول إلى ما بين القرشيين فيما بينهم أمويين وآل بيت .. والكل يحاول دعم إدعاءاته بنصوص قرآنية فإن لم تفلح ابتدعت لها أقوال منسوبة لسيدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..ومن بعد يعقبها آيات قرآنية “وما كان لمؤمن إذا قضى الله ورسوله إمرأ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلال مبينا" لتلجم أفواه المساكين. وفي خضم الصراع على السلطة ووصول الأمويين لها تحولت الخلافة من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة إلى دكتاتورية وراثية متسلطة متناسية رسالة الإسلام وقدسية روحانيتها وبقيت أداة للثراء الفاحش من خلال الجباية والجزية وهذا يتوافق مع ما ذكره ألان مورغ [5] بأن "البطء النسبي لاعتناق الشمال الأفريقي الإسلام مقارنة بالعراق والشام وفارس بأن الفاتحين العرب لم يجعلوا من أسلمة الأمازيغ أولوية أولوياتهم، ويردّ موقفهم هذا إلى خوفهم من نضوب عوائد الجباية في المنطقة إذ كان سيترتب عن اعتناق الأمازيغ الإسلام إعفاؤهم من الجزية والخراج". في المقابل أختلف الحال مع الأمراء المسلمين غير العرب فإحدى التحليلات المقبولة منطقياً أنه : "عم الهدوء في فترة ولايته (أبي المهاجر) التي امتدت من 55 هـ إلى 60 هـ. وتجتهد الباحثة في إرجاع أصول سياسة أبي المهاجر المتعاطفة مع الأمازيغ إلى أصوله الإثنية غير العربية، إذ كان مولى لمسلمة بن مخلد والي مصر، ولعل تلك الأصول هي نفسها السبب في ضمور موقع أبي المهاجر في المصادر التاريخية التقليدية، ونكران أي دور إيجابي له وتقزيم توسعاته خلال ولايته. ولعل أهم تلك الأدوار هو انفتاحه على الأمازيغ بما جعلهم يقبلون على الدين الجديد. لقد تم تقزيم دور أبي المهاجر غير العربي وتضخيم دور عقبة بن نافع الفهري القائد العربي القرشي " [1]. فكما نرى الدين عربياً هو الجباية والغنيمة والخراج وليس عمارة الأرض واستصلاحها والتفاعل مع التراب..
التسليم لله أم للسلطان؟
الكثير منا كمسلمين يقول بأن الإسلام يعني التسليم التام لله سبحانه وتعالى .. إلا أنه في المقابل يفسر بعض الفقهاء بأن ذلك يتوافق مع الطاعة العمياء لولي الأمر "أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم" وسمعنا خلال 17 فبراير ..ألزم بيتك.. كإشارة لطاعة ولي الأمر. لقد تم استغلال هذا النص القرآني بصورة بشعة.. كما استغلت نصوص كثيرة وتحولت الكثير من، وربما جميع، منابر المساجد إلى أبواق تسبح وتهلل بأسم الملك والسلطان "الشريف" والقبائل الشريفة.
حسابات وأرصدة السلطان وخزائنه باتت أهم من يوم الحساب عند الله سبحانه .. فالسلطان يمنح نفسه أختزال جميع السلطات في قبضته، تنفيذية، تشريعية، قضائية، إعلامية،..إلخ وفي شخصه ، وكل من يخلفه من بعده من السلالة الشريفة!!! .. فإدعاء الشرف في نظر الكثير من المتمسكين بهذه "الفرية على سيدنا المصطفى" كفيل بأن يغفر لهم جميع جرائمهم البشعة بما فيها المتاجرة في بناتنا كسبايا وأولادنا كرقيق وغلمان!!!! وبأسم التسليم لله وبما جاء به الدين الإسلامي.. ما يؤلومني مازالت صيحات المطالبة بعودة السلطان وتوريث الحكم لأصحاب النسل الشريف "العرب" تتعالا وما أرى ذلك إلا ليفسدوا الحرث والنسل في الأمم الأعجمية وبأسم الدين .. كما أن هجمة جيش القبائل الشريفة المتواطية مع أزلام النظام السابق على 17 فبراير إلا تأكيد على الإستلاء على الحكم وعودة الدكتاتورية.
السؤال .. هل الله ينزع عنا النسب الشريف لكوننا أمازيغ ومن بعد يتنازل عن سلطانه وعن عدالته لنحكم بسلطان الشريف ويذلنا في الدنيا ونبقى صاغرين ليرضى علينا رب العزة في الأخرة؟؟؟!!! وبعد رفضنا لممارسة العبودية علينا بأسم العربية الشريفة تقطع رقابنا الأعجمية بسيوفهم العربية الشريفة بحجة ردتنا على دينهم وإسلامهم.. لا والله بالتأكيد هذا افتراء على ربنا سبحانه.. تقدس أسمه فهو يقول: "لا أنساب بينكم يوم القيامة " فإذا في يوم الحساب لا أنساب بيننا فمن باب أولى ومن الأجدى أن لا تزيد أو تنقص أنسابنا شئ في حياتنا الدنيا .. فبهت المتسلطون بأسم الدين "الشرفة" وصدق المرسلون الداعين للتوحيد ولكرامة الإنسان. فكل " من يرون في أنفسهم أصحاب دين ويعتدون على الإنسان وكرامته وحريته هم ليسوا أصحاب دين بل هم مجرمون عقائديون. " [10].
التدين في الثقافة الأمازيغية:
نزعة التدين واضحة في المجتمع الأمازيغي، أو الثقافة الأمازيغية، فالارتباط برأس السنة الفلاحية سلوك إنساني بحت فيه الكثير من المعاني الدالة على شكر الرب الواحد الأحد .. والطمع في سنة فلاحية ماطرة ووعي يرتبط بتانيث " القمرية" ألهة الخصوبة التي ترمز لحد كبير لمعانقة السماء للأرض لدرجة الوجل فالتزاوج بينهما لينتهي بتسييل ماء الخصوبة ..المطر.. الذي يروي الزرع والشجر والمواشي والإنسان خليفة الله في أرضة الحبلى بالكثير من الخير، والرزق، والكنوز..
التدين علاقة قوية بالخالق ودعاء متصل بالواحد سبحانه لاستصلاح الأرض وبنائها وعمارتها.. وكل العلائق المرتبطة بالسماء وجدت لها مكاناً وقبولا في الثقافة الأمازيغية. فالدين أو بالأحرى التدين اتجه نحو عمارة الأرض واصلاحها أكثر من توظيفه للسلطان وفي حكم الناس واستعبادهم .. بالرغم من تسجيل بعض الإنحرافات في نظام العزابة الذي بدأ أكاديمياً وتحول إلى تقليداً للمنتسبين للشريفية.
التدين والعمل:
في الزمن السحيق ربما كان الأمازيغ مثل الشعوب الشرقية التي عبدت الشمس والقمر والظواهر الطبيعية. فكما ينقل د. جميل حمداوي [4] عن اصطيفان اكصيل (Stéphane Gsell): " كان المعبودان الأكبران للقرطاجنيين هما بعل حمون وتانيت بني بعل اللذان يظهران أن أولهما كان إله الشمس، بينما كانت الثانية إلهة قمرية. وقد اختلط لدى الأهالي بعل حمون بأمون ...، ربما يراودنا السؤال عن عبادة الشمس والقمر المنتشرة بين الليبيين في عهد هيرودوت حوالي وسط القرن الخامس ق.م، هناك أسباب قوية تجعلنا نقبل أن عبادة هذا الكوكب بأرض المغارب قد سبقت توطيد الاستعمار الفينيقي."
تقديس الكواكب ربما لا يتنافى مع السعي المحموم للروح لتتحسس طريقها نحو المعبود والإرتقاء للألتقاء ببارئها في الحضرة الربانية.. وربما في تساؤلات سيدنا أبراهيم "فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ .. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ " إشارة قوية لتحفيز العقل الإنساني ورسم طريقه نحو الحقيقة المطلقة نحو الله سبحانه.. صحيح أنه في الحياة الأرضية تكون عبادة الخالق من خلال النبش في الأرض وحرثها وغرسها بالأشجار، وتربية الحيوانات، وكذلك تشكيل الطين ونحت الأحجار وبناء الكهوف وبناء قنوات المياه "إفكارن" ومد السدود والجسور على الماء .. ومن هنا يأتي التدين وهو عمارة الأرض وتزينها لتصبح الحياة الأرضية كريمة وجسر عبور آمن للأخرة ..
في الثقافة الأمازيغية الإنسانية أرتبط التدين بالمثابرة في العمل والجد والإجتهاد في الفلاحة وكذلك التجارة والصناعة .. فالمرأة والرجل على حد سواء يترجمون تدينهم باخلاصهم في العمل .. ولوقت قريب، وعلى مستوى أرض تامزغا "المغرب الكبير"، ما زلنا نسمع بجدية الأمازيغ في عملهم وأمانتهم وتفانيهم في العمل وحرصهم على نفقة المال .. اتجه التدين نحو التفاني في الشغل متجنبين توظيف الدين واستغلاله في استعباد الناس وحكمهم.. بل بالعكس عندما يرتبط الدين بالسلطان كانت الثورات فأسلاف الأمازيغ ثاروا على السلطان الروماني عندما وضف الدين للحاكم وثورة دوناتس خير شاهد على ذلك. كذلك تمرد القسيس آيوس الأمازيغي الجامع بين كنيسة الأسكندرية والكنيسة الأنطاكية ورفض المذهب الحاكم القائل بربوبية سيدنا عيسى الإنس
ان. كما أن اتباع الكثير من الأمازيغ للمذهب الأباضي هو محاولة لتفكيك تجبر السلطان تحت غطاء النسب الشريف وإقتصار الإمامة والسلطان في العربي من، آل بيت أو قريشي "الشريفي".
إلا أن قوة الجذب الترابية المرهقة وحنين الروح للتحرر من الجاذبية الأرضية ومن قيودها وأغلالها يمارس الأمازيغ الصلاة للصعود إلى السماء والتحرر من القيد الأرضي في أوقات موزعة خلال اليقظة وكثيراً خلال النوم.. فالنفس البشرية تسعى لتحررها الكامل من مثقلات ومكبلات الأرض من حين إلى أخر إلا أن التحرر الكامل ستحظى به الروح بعد الخروج من حطام الجسد بعد الموت والخروج من شرنقة الحياة المؤقتة إلى براح الحياة الأبدية.
التدين ورفض الدين المغتصب:
يرى القاضى عبدالجواد ياسين [8] بأن "التدين هو ميراث رؤية الجماعة لذاتها وللنص بعد اكتماله" لذلك يفسر الأستاذ كمال حبيب بأن " لكل أمة تدينها، أى فهمها للدين، ولكل عصر تدينه، وهو ما يحتاج منا لاجتهاد جديد نبنى به تديننا المعاصر حول العلاقة مع العالم والعلاقة مع الإنسان والعلاقة مع التنمية والنهوض من التخلف، والعلاقة مع النظم السياسية، والقدرة على تقديم إجابات تديننا عن أسئلة عصرنا." [8] ربما نخطو خطوة إضافية ونقول بأن التدين ميراث لتراكم جماعي يتطور مع الوقت إلا أن الدين الإسلامي استغل بشكل بشع بحيث منح العرب الحق في الحكم وجباية الأموال فقط بحجة أنهم عرب .. وبات التدين عندهم الإفتخار بالنسب الشريف حسب زعمهم (عربي، قريشي، هاشمي، فاطمي، آل بيت، شريفي ..إلخ) وهذا هو الدين بالنسبة لهم فهم أصحاب هذا الدين ورعاة الكتاب المقدس "القرآن" وأقدرهم على فهمه وحماة الكعبة ولهم الحق وحدهم في هدمها أو تلبيسها.
صحيح أن الثقافة الأمازيغية ترنو وتجنح نحو التدين المرتبط بالأرض وتوطيد علاقتهم الأرضية بالسماء. لكن الوعي الفاضح باستغلال الدين بحجة النسب الشريف دفعت وستدفع بالكثير من الأمازيغ إلى رفض هذا الدين بهذا المعنى .. فالثقافة الأمازيغية الإنسانية بين شد التدين والأرتباط بالأرض والنظر بشوق إلى السماء وبين جزر الدين الإسلامي المغتصب، بكل أسف نتيجة لسوء تصرفات عرب السلطة "الشرفاء" الذين يدعون النسب الشريف ويؤثرون استحواذهم على السلطة وسيعهم المستميت في امتلاكها والقفز عليها واغتصابها ورفض قبول الإعتراق بترسيم اللغة الأمازيغية بين أهلها ..وهذا مما شكك الكثير من الأمازيغ، وخاصة الشباب، في قبول الدين الإسلامي العربي المغتصب والبحث عن الدين الإسلامي الإنساني.. ومن هنا تأتي وبسرعة اتهامات الحاقدين على التدين في الثقافة الأمازيغية وقذفها بأنها عدوة للإسلام..
صحيح أن الأمازيغ أعتنقوا أديان الشعوب التي غزت سواحلهم والتي أنتهت بالإسلام أو بالأحرى الغزو العربي ولكن يبقى السؤال .. هل التدين في الأمازيغية بالإسلام مرفوضاً ما لم يخنع الأمازيغ لجبروت وسلطان النسب العربي الشريف؟ أم على المطالبين بحكم، والتسلط على، الأمازيغ بحجة ادعائهم النسب الشريف أن يراجعوا أنفسهم ويؤمنوا بالمواطنة ويعترفوا بترسيم الأمازيغية لغة وثقافة؟؟؟
ويبقى الدين الذي لا يجسد العلاقة الأنسانية بين بني البشر ليس بديناً .. وكما يقول ويصرح دانتي "أن احترام حقوق الإنسان هو نفسه احترام للإرادة الإلهية." وأي توظيف للدين بشأن السلطة والحكم هو خروج عن الغاية السامية من رسالة استخلافنا على وجه الأرض وعمارتها ويؤكده أيضاً دانتي فيقول "لا ينبغي للإمبراطور أن يستمد سلطته من البابا. وينتهي دانتي إلى القول بأن الفلسفة هي الوسيلة الوحيدة إلى تحقيق السعادة الدنيوية.. أما اللاهوت، فهو وسيلة لتحقيق السعادة الأخروية." [7]. فالسعي وراء السعادة الحقيقية هو الفلسفة التي غايتها الركض وراء الحقيقة لملامستها قبل الوصول إليها.. والدين "الاهوت" صحيح هو غاية أخروية تحررنا من أثقال وأعباء الإنغماس في التراب والتثاقل نحو التفاعل الأرضي.
"ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"
المراجع:
[1] محمد القادري، "سيرورة انتظام الأمازيغ في المجال الإسلامي: قراءة في كتاب حياة عمامو، "أسلمة بلاد المغرب: إسلام التأسيس من الفتوحات إلى ظهور النحل"، http://www.mominoun.com/arabic/ar-sa/articles/%25
[2] د. عبد الرزاق وُورقية ، " التديّن والتحضر، نحو تواصل إيجابي " -دراسات إسلامية – مجلة حراء http://www.hiramagazine.com/%25D8
[3] أحمد عصيد، " رسائل إلى النخبة المغربية .. في الأمازيغية والدين والسياسة"، إدگل للطباعة والنشر-الرباط، 2011، ص ص 58 .
[4] د. جميل حمداوي، "الديانة عند الأمازيغ" الإسلام والأمازيغ، www.alukah.net/books/files/book.../alamazyghyyn.pd...
[5] ياسين تملالي، "الإسلام والأمازيغ "، الجزيرة نت، 27/11/2005 م، http://www.aljazeera.net/home/print/787157c4
[6] حسني عبد الحافظ، البونسكو والاحتفالية العالمية باللغة العربية،مجلة المعرفة، ملف العدد ، 17/12/2013 ، http://www.almarefh.net/show_content_sub.php%3FCUV%
[7] الدكتور عبد السلام بن مَيْسَ، "أثر ابن رشد في الفكر السياسي الغربي"، http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad15partie13.htm
[8] كمال حبيب ـ "الدين والتدين والعصر "ـ ،عرض كتاب للقاضى عبدالجواد ياسين والعنوان كاملا، الدين والتدين – التشريع والنص والاجتماع، اليوم السابع، السبت، 05 يناير 2013، http://www.youm7.com/story/2013/1/5/
[9] عادل الطاهريقسم : قراءات في كتب 13-03-2014 ، ""الدين والتدين" أو الإلهي والاجتماعي في الظاهرة الدينية : قراءة في كتاب عبد الجواد ياسين "الدين والتدين"،
[10] واثق غازي عبدالنبي، "الفرق بين الدين والتدين" الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 01:39، المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp%3Faid%3D255973
أ.د. فتحي سالم ابوزخار